جيل ذكي في مدرسة متخلفة: حين يصبح الأستاذ حارساً لأحلام مؤجلة

بشرى عطوشي
يشهد المغرب اليوم بروز جيل جديد من الشباب يقود حراكا احتجاجيا بأسلوب مختلف، جيلٌ أكثر وعيا وانفتاحا وتواصلا عبر الوسائط الرقمية، جيلٌ لا تشوبه آثار الإدمان أو الانكسار الاجتماعي، بل يطل بوجوه مشرقة وأفكار مرتبة وطريقة تواصل نظيفة تفرض الإصغاء.
غير أن هذه الدينامية تكشف في العمق عن أزمة أعمق، هي أزمة المنظومة التعليمية التي لطالما نبه إليها الأساتذة والمعلمون في إضراباتهم السابقة، حين طالبوا بتحسين ظروف العمل ورفع الحيف عن المدرسة العمومية باعتبارها مهد كل تحول اجتماعي.
فالأسرة التعليمية وجدت نفسها طوال السنوات الماضية في الصف الأمامي، تواجه يوميا عنفوان جيل ذكي، متطور، يلتقط بسرعة كل ما يدور حوله في العالم الرقمي، لكنه يصطدم بواقع مناهج متخلفة ومقررات رديئة لم تعد تقنعه ولا تجيب عن أسئلته. ومن المفارقات أن هذا الجيل الذي يعبّر اليوم في الشارع، هو نفسه الذي عاش من مقاعد الدراسة مشاهد احتجاج أساتذته، فكوّن وعيا مبكرا بأن الخلل ليس في الأستاذ ولا في التلميذ، بل في السياسات التعليمية العاجزة عن مجاراة زمن جديد.
وفي مقابل تعليم خصوصي اختار مناهج عصرية، منفتحة، تعتمد تقنيات حديثة في التلقين والتأطير، ظل التعليم العمومي أسير بيروقراطية متكلسة، تكتفي بإصلاحات ترقيعية. وهنا تبرز المعضلة الحقيقية: جيل متسارع الإيقاع، يعيش بعقلية رقمية، يتقن التكنولوجيا واللغات، بينما تُفرض عليه مناهج تعود إلى زمن آخر. هذا التناقض اليومي يجعل مهمة الأسرة التعليمية شبه مستحيلة، فهي مطالبة باحتواء أحلام شباب يرفض الوصاية، وبالتعامل مع سيكولوجيته الحساسة التي لا تقبل الانكسار، في حين تجد نفسها محاصرة بين ضغط الواقع البيداغوجي الضعيف وضغط سياسات عمومية عاجزة.
المعلم والأستاذ اليوم لا يواجه فقط صعوبة الشرح والتلقين، بل يواجه صعوبة التفاهم مع جيل يعرف أكثر مما تعطيه الكتب، جيل يختبر كل معلومة في لحظتها عبر هاتفه الذكي، ويقارن بين ما يقال له في القسم وما يراه في منصات العالم. وهذه المواجهة اليومية ليست مجرد تحدٍّ بيداغوجي، بل معركة نفسية حقيقية، حيث يصبح المعلم مطالبا بترويض هذا العنفوان الشاب دون أن يكسره، واحتواء أحلامه دون أن يقتلها.
في المقابل، ما زالت القيادات السياسية العجوزة تظن أن هذا الجيل يمكن التعامل معه بالأساليب القديمة نفسها: الخطابات الجوفاء، البلاغات الباهتة، والوعود التي لا تجد صدى في الواقع. لكن الجديد أن هذا الجيل لم يعد ينتظر أن يتحدث باسمه أحد، فقد أخذ زمام المبادرة، وأثبت أنه أكثر ذكاء وقدرة على صياغة مطالبه، بل وأكثر انفتاحا على العالم من النخب التي تدّعي تمثيله.
إن الأزمة اليوم ليست أزمة شباب “متمرد” كما يروّج البعض، بل أزمة دولة لم تدرك بعد أن التعليم هو صمام الأمان. ولو أن المطالب التي رفعها الأساتذة قبل سنوات أُخذت على محمل الجد، لربما ما كنا لنصل إلى هذا الشرخ المتسع بين جيل جديد يعرف ماذا يريد، ومنظومة تعليمية ما تزال أسيرة زمن قديم.