رحلة إلى عالم باريس السفلي…رشيدة داتي تواجه الحقيقة التي تجاهلتها الحكومات

بشرى عطوشي
تخوض الوزيرة الفرنسية رشيدة داتي، ذات الأصول المغربية، واحدة من أكثر الحملات الانتخابية تميزًا في المشهد السياسي الباريسي، بعدما اختارت أن تبدأ سباقها نحو بلدية باريس من قلب الأحياء المنسية، ومن الأماكن التي لا يصل إليها أي مسؤول رسمي إلا نادرًا.
فقد ظهرت داتي في مقاطع مصوّرة وهي تزور أماكن المشردين في الشوارع والحدائق العامة، وتتوجه إلى العائلات التي تسكن في بنايات متهالكة تعاني من غياب شروط العيش الكريم، كما دخلت إلى الأنفاق التحت أرضية التي تشكل عالمًا موازيًا في قلب العاصمة، حيث يعيش أشخاص في ظروف قاسية لا تشبه صورة باريس التي يعرفها الجميع.
هذا النزول الميداني غير المسبوق خلق نقاشًا واسعًا، خصوصًا بعد انتشار فيديوهاتها على تيك توك ومنصات التواصل، حيث ظهرت وهي تتحدث مباشرة مع الأشخاص الذين التقت بهم، وتستمع بإمعان إلى مشاكلهم، سواء تعلق الأمر بالبطالة أو انعدام السكن أو الإدمان أو غياب الرعاية الصحية.
وقد وعدت داتي بأن تجعل هذه الحالات في صلب أولوياتها، مؤكدة أن “باريس الحقيقية ليست فقط ما نراه فوق الأرض”، في إشارة إلى تلك الطبقات المنسية التي ترى أنها تستحق مقاربة جديدة ومسؤولة.
ولم تقتصر حملتها على الجانب الاجتماعي فحسب، بل تناولت أيضًا إشكالات الحياة اليومية للباريسيين، حيث انتقدت في مقاطع أخرى الفوضى التي يشهدها الشارع بسبب عدم التزام العديد من مستعملي الدراجات الهوائية والنارية بقوانين السير والمسارات المخصّصة.
واعتبرت أن المدينة تحتاج إلى تنظيم جديد يحفظ سلامة المشاة ويعيد الانضباط لحركة المرور، متعهدة بالعمل على خطة واضحة تحقق هذا التوازن وتعيد الشعور بالأمان في الشوارع.
حملة داتي المصوّرة حصدت تفاعلًا كبيرًا من الفئات التي غالبًا ما تشعر بأن صوتها غير مسموع، إذ عبّر العديد عن تقديرهم لشجاعتها في زيارة تلك المواقع التي تُظهر جانبًا قاسيًا من حياة العاصمة. بالنسبة للطبقة المنهكة اقتصاديًا واجتماعيًا، كانت هذه الجولة بمثابة إشارة إلى أن ثمة من يراهم ويتحدث معهم مباشرة دون حواجز أو بروتوكول.
ومع ذلك، لا تخلو هذه الخطوات من انتقادات، إذ يرى بعض منافسيها أن ما تقوم به ليس سوى حملة مشهدية تستثمر في المشاعر أكثر مما تبحث عن حلول عملية، بينما يعتقد آخرون أنها محاولة جريئة لخلخلة النموذج السياسي التقليدي في باريس، حتى لو كانت محفوفة بالمخاطر.
ورغم هذا الجدل، يبدو واضحًا أن داتي تسعى إلى تقديم نفسها كمرشحة تتقن لغة الميدان أكثر من خطاب القاعات المغلقة، وتريد بناء شرعيتها من عمق الواقع الاجتماعي لا من صوره الرسمية.
في نهاية المطاف، تضع رشيدة داتي نفسها اليوم وسط معركة انتخابية تختلف قواعدها عن السنوات الماضية. فهي لا تراهن على خطاب سياسي مجرّد، ولا تكتفي بالوعود العامة، بل تذهب إلى حيث يعيش الذين لا يسمعهم أحد، وتعيد تسليط الضوء على “باريس المنسية”.
ومع استمرار انتشار مقاطعها وتأثيرها في المزاج الشعبي، يبدو أن هذه المقاربة قد تعيد رسم ملامح السباق نحو بلدية باريس وتضع الفئات المهمشة في قلب النقاش السياسي بطريقة غير مألوفة في العاصمة الفرنسية.





