صراعات الأعيان وحروب التزكيات تحتدم في الدوائر المحلية قبيل انتخابات حكومة المونديال

حسين العياشي

يزداد التوتر في بعض الجماعات الترابية بشكل ملحوظ، وتزداد حدّته كلما اقترقب موعد الاقتراع، ما يشير إلى بداية موسم انتخابي ساخن تتسيده حسابات التزكيات والصراعات الداخلية. في هذا المشهد المعقد، تتحول الجماعات التي من المفترض أن تكون فضاءات لإدارة الشأن المحلي إلى ساحة صراعات حزبية وخلافات قد تكون أحيانًا ذات طابع شخصي. وتُظهر تلك الصراعات تفشي ظاهرة “التسريبات” السياسية التي أضحت سلاحًا يوميًا بين القوى السياسية المختلفة، تُستخدم لتصفية الحسابات وتقديم طعون في الكفاءات السياسية قبل إعادة تشكيل الخريطة البرلمانية المقبلة.

في هذا السياق، تشير مصادر متطابقة إلى أن العديد من رؤساء الجماعات، خاصة أولئك الذين يشغلون أيضًا مناصب برلمانية، يعيشون تحت ضغط كبير. هؤلاء الرؤساء يجدون أنفسهم عالقين في “فراغ قانوني”، محاصرين بين تأخيرات في إعلان التزكيات من قبل قيادات أحزابهم، وبين قيود قانونية قد تحول أي محاولة للانتقال السياسي إلى مغامرة مكلفة تهدد مسارهم داخل المجالس المحلية قبل حتى بدء الحملة الانتخابية. وفي هذا الإطار، تبرز المادة 51 من القانون التنظيمي 113.14، التي تمنح الأحزاب حق طلب تجريد المنتخب من عضويته في حال مغادرته صفوف الحزب، كأداة ضغط كبيرة على رؤساء جماعات في مدن متوسطة وقروية. وهو ما يدفعهم إلى الدخول في مفاوضات سرية مع أحزاب أخرى، بحثًا عن “مظلة سياسية” جديدة.

التحالفات في العديد من المجالس، خاصة في الجماعات القروية، بدأت تنهار مبكرًا بسبب هذا المناخ السياسي المتأزم. وكشفت المعطيات التي حصلت عليها “إعلام تيفي” عن تعثر غير مسبوق في التصويت على الميزانيات، بالإضافة إلى تبادل الاتهامات بين نواب الرؤساء، وظهور حملات منسقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي تهدف إلى تشويه سمعة بعض المنتخبين من خلال نشر وثائق وأرقام تتعلق بصفقات وتدبير سنوات سابقة. هذه الحملات، وفق مصادر حزبية، تقودها أطراف داخلية تسعى لتشويه خصومها في إطار استعداداتها لتوزيع التزكيات.

ويعتبر عدد من الباحثين أن هذا الوضع يعكس خللاً بنيويًا في التجربة الانتخابية المحلية. الباحث في العلوم السياسية حمان بوراس يلفت إلى أن النظام الانتخابي الذي يعتمد على تعدد التحالفات داخل الجماعات يساهم في إنتاج هشاشة سياسية تتفاقم مع اقتراب موعد الاستحقاقات الوطنية. ويؤكد بوراس أن تعطيل الميزانيات وتحويل المؤسسات المحلية إلى ساحات معارك سياسية يُفقد الساكنة الثقة في منتخبيها، مما يحول التدبير المحلي إلى رهينة للصراع الحزبي.

في خضم هذه التوترات، يبرز التحليل السياسي الجديد الذي خرج بعد الاجتماع الوزاري الأخير، حيث أظهر مشروع تعديل القانون التنظيمي لمجلس النواب أن الدولة تتجه بوضوح نحو تخليق العملية الانتخابية. ذلك من خلال تشديد شروط الأهلية ومنع المشتبه فيهم من الترشح. وهي خطوة وصفها الباحث بوراس بأنها “لحظة فارقة” قد تعيد رسم قواعد اللعبة السياسية، مما يُحمل الأحزاب مسؤولية مباشرة عن نوعية المرشحين الذين تزج بهم إلى البرلمان. ويُضيف أن هذه الصرامة القانونية المرتقبة قد تساهم في زيادة الارتباك داخل الجماعات، حيث بدأت الأحزاب في إعادة فحص لوائح مرشحيها واستبعاد الأسماء التي تلاحقها قضايا أو شبهات فساد، وهو ما فُهم محليًا على أنه إعادة توزيع للأوراق السياسية.

هذا المناخ السياسي المتوتر يتقاطع مع مزاج عام يتسم بالتشدد ضد جميع أشكال الفساد الانتخابي. فبعد سنوات من الاتهامات المتكررة باستخدام المال واستغلال الهشاشة الاجتماعية، بات من الواضح أن حملة انتخابات 2026 ستكون مختلفة عن سابقتها. فوفقًا لبعض المعطيات المتداولة، دخل 11 نائبًا إلى السجون خلال الولاية الحالية، في حين تم تجريد 29 نائبًا آخر من عضويتهم، ما يعكس حجم الإشكال الذي تسعى الدولة إلى معالجته.

وفي الوقت الذي تستعد فيه وزارة الداخلية لإطلاق الجولة الأخيرة من مشاورات ما قبل الإحالة على البرلمان، تتسرب إلى الرأي العام مؤشرات عن تنافس محتدم بين الأحزاب الكبرى داخل الجماعات. هذا التنافس لا يقتصر فقط على الوضع المحلي، بل يشمل أيضًا سباقًا مبكرًا على مفاتيح تشكيل حكومة المستقبل، فيما باتت التوقعات تشير إلى أن الانتخابات المقبلة ستشهد تغييرات جذرية في المشهد السياسي المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى