طاكسيات الدار البيضاء.. خدمة عمومية بطعم المزاجية

حسين العياشي

يصعب تخيل المشهد اليومي في الدار البيضاء دون “الطاكسيات الصغيرة”. فهي وسيلة لا غنى عنها لمئات الآلاف من السكان، تضمن سرعة في التنقل وكلفة مقبولة نسبياً. غير أن هذه الأهمية تُخفي وراءها واقعاً مثقلاً بالاختلالات، جعل صورة المهنة عرضة للانتقاد وأحياناً للنفور.

أبرز شكاوى الركاب تتعلق برفض بعض السائقين تنفيذ الرحلات، كثيرون يضطرون لطلب أكثر من سيارة قبل أن يجدوا سائقاً يقبل التوجه إلى وجهتهم. دوافع “الانتقاء” ترتبط غالباً بالربح أو براحة السائق، وهو ما يُفرغ الخدمة من طابعها العمومي. يضاف إلى ذلك التلاعب بالعداد: فإما يُرفض تشغيله أصلاً، أو تُفرض تسعيرة غير قانونية، خصوصاً في الأحياء الهامشية أو في ساعات الذروة. ويزداد الاحتقان حين يتعمد بعض السائقين إطالة المسار لرفع التكلفة، ما يولّد شعوراً بعدم الثقة.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، سلوكات مشينة تطفو إلى السطح: كلام نابٍ، تعامل فظ، أو ردود انفعالية مبالغ فيها عند احتجاج الزبون. هذه التصرفات، في ظل المنافسة المتصاعدة من خدمات النقل عبر التطبيقات، تزيد من تعميق أزمة صورة “الطاكسي الصغير”.

جذور الإشكال تمتد إلى الإطار التنظيمي والاقتصادي، فالسلطات المحلية تعاني صعوبة في فرض القوانين، ما سمح بتكريس ممارسات عشوائية. ضعف المراقبة غذّى إحساساً عاماً بالإفلات من العقاب. أما اقتصادياً، فالسائقون يرزحون تحت أعباء ثقيلة: ارتفاع أسعار الوقود، كلفة الصيانة، ورسوم الرخص. هذه الضغوط تقوّض مداخيلهم وتؤجج التوتر الاجتماعي في قطاع يعيش منافسة حادة مع سيارات الأجرة عبر التطبيقات.

الدار البيضاء، وهي على أبواب أحداث كبرى ككأس إفريقيا للأمم 2025 ومونديال 2030، ستكون تحت أعين العالم. ملايين الزوار سيختبرون خدمات النقل، وسيكون لسمعة “الطاكسي الصغير” أثر مباشر في صورة المغرب كوجهة سياحية واقتصادية.

الإصلاح بات ضرورة لا خياراً. من أبرز المقترحات: حملات تحسيس بأخلاقيات المهنة وحقوق الزبون، تفعيل الزامية تشغيل العدادات، اعتماد تطبيقات الحجز لتعزيز الشفافية، وإشراك السائقين في حوار جدي مع السلطات والجمعيات المهنية.

فالدار البيضاء، مدينة تتحول بسرعة، تحتاج إلى شبكة نقل تحترم المواطن وتليق بمكانتها. و”الطاكسي الصغير”، إن أراد الحفاظ على دوره الاستراتيجي في الحياة اليومية للعاصمة الاقتصادية، عليه أن يستعيد ثقة الركاب أولاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى