غلاء الأسعار والبطالة خارج الشاشة: أين هي الدراما المغربية من هموم المواطن؟

بشرى عطوشي
تثير الدراما المغربية في السنوات الأخيرة نقاشًا واسعًا بين الجمهور والنقّاد بسبب الهوّة المتزايدة بين ما يُقدَّم على الشاشة وما يعيشه المواطن المغربي يوميًا من ضغوط اقتصادية واجتماعية خانقة. ورغم أن التلفزة والسينما يُفترض أن تكونا مرآة للمجتمع، إلا أن كثيرين يرون أنهما باتتا مرآة مُلمّعة تخفي الشقوق العميقة للواقع.
في الوقت الذي يشهد فيه المغرب موجات متتالية من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية ومستويات بطالة مرتفعة بين الشباب، نادرًا ما نجد أعمالًا درامية تجسد هذه الأزمة أو تحلل أسبابها أو تتناول انعكاساتها على الأسر المغربية. وفي مقابل هذا التجاهل شبه التام للقضايا المعيشية، تتجه العديد من الإنتاجات نحو قصص هزلية أو رومانسية أو مواقف كوميدية مكررة، ما يجعل الصورة المقدّمة للمشاهد صورة غير مكتملة ولا منصفة لواقع يعيشه ملايين المواطنين.
ويربط بعض المراقبين غياب هذه المواضيع بوجود ما يمكن تسميته بالرقابة الناعمة، التي لا تمنع بشكل مباشر، لكنها تدفع صناع الدراما إلى تجنب الملفات الحساسة تفاديًا للجدل أو الاصطدام مع المؤسسات الداعمة. كما أن مسارات الإنتاج التلفزيوني المعقدة تجعل العديد من المنتجين يختارون الطريق الأسهل والأكثر أمانًا: الترفيه الخفيف الذي يضمن نسب مشاهدة عالية دون طرح أسئلة ثقيلة.
ولا يمكن إنكار أن الترفيه جزء من وظيفة الفن، لكنه يصبح إشكاليًا عندما يطغى على البعد الواقعي والنقدي. ففي الوقت الذي تحولت فيه الدراما في العديد من الدول إلى قوة ناعمة لكشف الاختلالات الاجتماعية وإثارة النقاش العام، ما زالت الدراما المغربية تراهن على الضحك السريع أكثر مما تراهن على معالجة القضايا اليومية التي تمسّ حياة المواطن.
وعلى الرغم من ذلك، يعبّر جزء واسع من الجمهور عن رغبته في مشاهدة أعمال تعكس الواقع الحقيقي: أسر تكافح الغلاء، شباب يبحث عن فرص عمل، موظفون يعانون من تدني الأجور، ومقاولون صغار يصطدمون بالبيروقراطية. هذه القصص ليست مجرد مادة درامية، بل هي الواقع الذي يعيشه المجتمع ويريد أن يراه مطروحًا بجرأة وصدق.
وللاقتراب من هذا الهدف، يحتاج القطاع الدرامي في المغرب إلى تشجيع الإنتاجات الجريئة، وتحرير الكتابة من الحسابات الضيقة، وإشراك كتّاب يعيشون نبض الشارع، إضافة إلى تنويع مصادر التمويل حتى لا تبقى الدراما محصورة في قوالب نمطية.
وهكذا يبقى السؤال المطروح: متى سنرى دراما مغربية تُشبه الناس حقًا، تعكس همومهم وتطرح أسئلتهم، بدل الاكتفاء بتقديم ترفيه يُسكر لحظيًا دون أن يلامس جوهر الواقع؟ الجمهور ينتظر، والواقع يزداد تعقيدًا، والدراما مطالَبة بأن تستعيد دورها الطبيعي كصوت للمجتمع ومرآة صادقة لحياته.





