فرنسا تراجع إرث 1968: تصويت ضد اتفاقية الامتياز يفتح جرح العلاقات مع الجزائر

حسين العياشي

صادق نواب البرلمان الفرنسي، يومه الخميس 30 أكتوبر الجاري، على مقترح قرار تقدّم به حزب التجمّع الوطني اليميني المتطرف، يدعو إلى التنديد بالاتفاق الفرنسي الجزائري لعام 1968. وقد حظي النصّ بقبولٍ ضئيل بفارق صوتٍ واحد فقط داخل الجمعية الوطنية، في تصويتٍ رمزي لا يحمل صفة الإلزام القانوني، لكنه يعبّر بوضوح عن تحوّل سياسي ذي دلالات عميقة في العلاقة الحساسة بين باريس والجزائر.

وجاء تمرير المقترح بفضل دعمٍ غير معلن من نواب حزبَي الجمهوريين (LR) وآفاق (Horizons)، في تحالفٍ ظرفيّ مع اليمين المتطرف ضدّ الاتفاق الذي يمنح امتيازات خاصة للمواطنين الجزائريين في مجالات الهجرة والإقامة والعمل داخل فرنسا. ومنذ سنوات، جعل حزب مارين لوبن من هذا الاتفاق أحد أبرز رموزه في الخطاب المعادي للهجرة، مطالباً مراراً بإنهائه بدعوى أنه “يكرّس تمييزاً غير مبرر”.

وعقب التصويت، دعت مارين لوبن الحكومة الفرنسية إلى “أخذ هذا التصويت في الاعتبار”، معتبرة أنّ الجمعية الوطنية عبّرت عن إرادة واضحة بضرورة إعادة النظر في اتفاق يعود إلى زمنٍ لم يعد قائماً. ورغم الطابع غير الملزم للنص، فإنّ رمزيته السياسية تعكس ميلاً متزايداً في الأوساط الفرنسية المحافظة نحو تشديد سياسات الهجرة، لا سيما تجاه الجالية الجزائرية التي تُعدّ الأكبر عدداً بين الجاليات المغاربية في فرنسا.

المعارضة اليسارية لم تتمكّن من صدّ القرار؛ إذ غابت أصوات حاسمة حتى من داخل صفوفها، الأمر الذي سمح بمروره على نحوٍ مفاجئ، وسط انقسامات حادة داخل البرلمان.

ويأتي هذا التصويت في سياق توترٍ دبلوماسي غير مسبوق بين باريس والجزائر، المستمر منذ أكثر من عام. فمنذ صيف 2024، شهدت العلاقات الثنائية تدهوراً حاداً عقب إعلان فرنسا دعمها خطة الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، ما اعتبرته الجزائر انحيازاً صارخاً ضد مواقفها التقليدية.

وتفاقمت الأزمة في نوفمبر من العام نفسه مع توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر، بتهمة تبنّيه الموقف المغربي من قضية الصحراء، ما أثار استياء باريس ودفعها إلى الاحتجاج رسمياً. ولم تمضِ أسابيع حتى اندلعت أزمة جديدة في يناير 2025، حين أوقفت السلطات الفرنسية عدداً من المؤثرين الجزائريين بتهم التحريض على العنف، في سياق مواجهات كلامية مع معارضين للنظام الجزائري.

وتضيف باريس إلى سجل الخلافات رفض الجزائر استقبال رعاياها الخاضعين لأوامر الترحيل من الأراضي الفرنسية (OQTF)، ما زاد حدة التوتر بين البلدين وأعطى زخماً جديداً للتيارات المطالبة بإنهاء اتفاق 1968.

ذلك الاتفاق، الذي وُقّع بعد ست سنوات فقط من استقلال الجزائر، جاء في زمنٍ كانت فيه فرنسا بحاجة ماسة إلى اليد العاملة لإعادة بناء اقتصادها. وبموجبه، مُنح المواطنون الجزائريون تسهيلاتٍ استثنائية في الحصول على تصاريح إقامة طويلة الأمد تمتد لعشر سنوات، عبر إجراءات مبسّطة مقارنة ببقية الجنسيات.

اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على توقيعه، يعود هذا الاتفاق إلى الواجهة كرمزٍ لصراعٍ سياسي ودبلوماسي معقّد، تتداخل فيه الذاكرة الاستعمارية، والهجرة، والسيادة الوطنية، في علاقة لا تزال مشحونة بتاريخٍ طويل من الجراح، يبدو أن باريس والجزائر لم تلتئم بعدُ تماماً منه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى