فضيحة عمرانية تهز قلب مكناس.. جدل بين حماية التراث وتشجيع الاستثمار

حسين العياشي
في قلب المدينة العتيقة لمكناس، حيث تمتزج الأسوار العتيقة بروح التاريخ، تفجرت فضيحة عمرانية أثارت جدلاً واسعًا، فقد أقدم صاحب عقار ب”روامزين”، على تحويل بناية قديمة إلى محلات تجارية، عبر تقسيمها بجدار إسمنتي، من دون الحصول على رخصة بناء أو تغيير وجهة الاستعمال، مستندًا فقط إلى رخصة إصلاح لا تخوّله سوى القيام بأشغال بسيطة من قبيل الطلاء والصيانة.
هذا التدخل، الذي مسّ بناية مجاورة لسور تاريخي محمي بموجب ظهير 1980 الخاص بالمحافظة على المباني الأثرية، اعتُبر من طرف مهتمين اعتداءً مباشراً على الطابع الجمالي والمعماري للمدينة، فضلاً عن خرقه الصريح لقوانين التعمير، خاصة القانون 12-90 المنظم لعمليات البناء والتجزئة.
أمام هذه التجاوزات، خرجت لجنة مشتركة لمعاينة الوضع بعين المكان، وقد سجلت اللجنة، في محضر رسمي، أن ما تم إنجازه يتجاوز حدود رخصة الإصلاح وتزيين الواجهة، وأوصت السلطة المحلية بإعادة الوضع إلى ما كان عليه في أجل أقصاه عشرة أيام.
غير أن القضية لم تتوقف عند حدود القانون، بل قسمت الشارع المكناسي بين مؤيد ومعارض، فهناك من يرى أن ما أقدم عليه صاحب المشروع يعد “بادرة حسنة” تحتسب له، لأنه خاطر برأسماله وحوّل عقارًا متداعيًا إلى محلات تجارية تفتح فرصاً اقتصادية، معتبرين أن الاستثمار الخاص يعزز جمالية شارع الروامزين ويحول “الخربات والمزابل” إلى فضاءات منتجة. ويضيف هؤلاء أن العراقيل الإدارية وكثرة التعقيدات القانونية لا تخدم سوى استمرار الجمود وتثبيط همم المستثمرين.
في المقابل، يؤكد معارضو هذا التوجه أن أي استثمار يظل غير مشروع إن لم يحترم القوانين، خصوصًا حين يتعلق الأمر بتراث مصنف يرمز إلى هوية المدينة وتاريخها. بالنسبة لهم، فتح الباب أمام هذه الخروقات تحت ذريعة الاستثمار سيؤدي إلى مسخ معالم مكناس العتيقة ويضرب في العمق المجهودات المبذولة لصون الموروث الحضاري للمدينة.
وبين الدعوات لاحترام القانون من جهة، والمرافعات الداعية لتشجيع الاستثمار من جهة أخرى، تظل أنظار الساكنة متجهة إلى عامل مكناس، الذي سيحدد قراره المسار الذي ستأخذه هذه القضية، إما نحو تطبيق صارم للقانون وحماية التراث، أم نحو انتظار طويل في دهاليز القضاء.