قطاعات تتقدّم وأخرى تتعثّر.. وصفة الأمين العام لردْم فجوة النص والتطبيق

حسين العياشي

في مكتب الأمين العام للحكومة، حيث تتراكم مسودات المراسيم على حافة المواعيد، يتجسّد السؤال الذي يطارد التجربة التشريعية في المغرب: لماذا تظل قوانين منشورة في الجريدة الرسمية معلّقة بين النص والتطبيق؟ هذا الخيط شدّه الأمين العام نفسه في مراسلة رسمية، جاءت جواباً على سؤال برلماني يلاحق أسباب تعثر صدور النصوص التنظيمية، لتفتح نافذة على ما يجري في كواليس صناعة القاعدة القانونية بعد أن تهدأ أضواء التصويت.

تكشف المراسلة عن غرفة قيادة عملية: خلية تتبّع ترصد القوانين التي لا تزال رهينة نصوص تنظيمية، تحدّد نوع المراسيم والقرارات المطلوبة والقطاعات المعنية، وتواكب الوزارات في مراحل الصياغة والإحالة على المساطر المعتادة. ليس ذلك ترفاً إدارياً؛ إنه جهد لردم الهوّة بين لحظة الإعلان السياسي ولحظة دخول القانون حيّز النفاذ، عبر اجتماعات دورية، وتذكيرات رسمية، ومساندة تقنية عند الحاجة، حتى لا يتبدّد مفعول النص في تفاصيل الإجراء.

لكن الأمين العام للحكومة لا يكتفي بمنطق “إطفاء الحرائق” بعد صدور القوانين. المراسلة نفسها تفصح عن مقاربة استباقية عند إعداد النصوص: احترام الآجال الدستورية، ترشيد الإحالات على نصوص تطبيقية حتى لا يصبح نشرها شرطاً معطِّلاً ما لم تدعُ الحاجة، وإرفاق المشاريع التي تستلزم مراسيم تنفيذية بجدولة زمنية واضحة. وفي الخلفية دعوة إلى توسيع اللجوء إلى “دراسة الأثر” لتقدير الكلفة والتعقيد قبل أن يقع النص في أسر تعديلات لا تنتهي. هكذا تبدو وصفة الأمانة العامة: من ردّ الفعل إلى التخطيط، ومن الغموض إلى وضوح الطريق.

وراء اللغة التقنية محاولة لإعادة ضبط الأدوار: الأمانة العامة حَكَمٌ ومُساعِد، والقطاعات الحكومية “مالكة” لمشاريعها التنفيذية، والبرلمان جهة مساءلة تراقب أين تبلغ النصوص بعد التصويت. ومن ثمّ تبدو الحاجة ملحّة لتحويل مضامين المراسلة إلى لوحة قيادة علنية: كم قانوناً ينتظر نصوصاً تنظيمية؟ ما متوسط المدة بين النشر والدخول الفعلي حيّز التنفيذ؟ أي القطاعات تتقدّم وأيّها يتأخّر؟ مؤشرات تُحدَّث دورياً كفيلة بتحويل ملفّ مزمن إلى برنامج عمل يمكن تتبّعه ويصعب التفلّت منه.

في الجوهر، يضع الأمين العام للحكومة إصبعه على بيت الداء: النصوص التنظيمية ليست تفصيلاً إجرائياً، بل هي الجسر الوحيد بين السياسة والواقع. ما لم تتحوّل وعود التتبّع والمواكبة والجدولة ودراسة الأثر إلى ممارسات قابلة للقياس، ستظل قوانين كثيرة واقفة على حافة التطبيق. أمّا إذا التقطت القطاعات الوزارية الإيقاع ونُشرت المعطيات بشفافية، فقد يجد المغرب نفسه أمام مسار تشريعي أكثر نضجاً: قانون مُحكَم الصياغة، ونص تنظيمي جاهز في موعده، وأمانة عامة تُخفّف عن رفوف مكاتبها ثقل الانتظار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى