
حسين العياشي
في خطوة وُصفت بأنها محاولة لرفع اللبس عن سياسات الدعم الحكومي في قطاع استيراد اللحوم والمواشي، أعلنت لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب عن تشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة للوقوف على البرامج والإجراءات المتخذة في هذا المجال، وذلك بهدف حماية القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل ما تعرفه الأسواق من ارتفاع متواصل للأسعار وشكاوى بشأن محدودية أثر التدخل الحكومي.
إلا أن هذه الخطوة، التي بدت في ظاهرها رقابية وبرلمانية محضة، سرعان ما أثارت جدلًا سياسيًا واسعًا، خصوصًا بعدما أعلنت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية رفضها المشاركة في هذه المهمة، معتبرة أنها تفتقر للمشروعية القانونية، وتمثل “محاولة مكشوفة للتغطية على إخفاق حكومي في تدبير واحد من أهم الملفات الاجتماعية الراهنة”، وفق تعبيرها.
وفي بلاغ شديد اللهجة، اعتبرت المجموعة أن تشكيل هذه المهمة جاء خارج ترتيب الأولويات التي يفرضها النظام الداخلي لمجلس النواب، حيث تم القفز على طلبات استطلاعية أخرى أسبق زمنيًا وأكثر إلحاحًا، في تجاهل لمقتضيات الشفافية والعدالة في انتقاء المواضيع ذات الطابع الاستطلاعي. ووصفت ذلك بأنه “انتقائية مسيئة لصورة العمل البرلماني، وتعكس إرادة سياسية موجهة لتبييض ملف مطبوع بالتجاوزات والتضارب”.
وأضاف البلاغ أن الهدف من وراء تشكيل هذه المهمة ليس استجلاء الحقيقة، بل توفير غطاء سياسي لحكومة تعاني من أزمة ثقة متنامية في الشارع، بعد فشل سياساتها في كبح جماح الأسعار، وظهور معطيات حول استفادة مقربين من الحزب الأغلبي من الدعم المخصص لاستيراد الأغنام والأبقار. وذهبت المجموعة إلى أبعد من ذلك، باتهام الأغلبية بـ”التوظيف غير الأخلاقي امتيازاتها العددية داخل البرلمان، من أجل عرقلة أي مساءلة حقيقية، وتشتيت النقاش عن شبهات المحاباة وتضارب المصالح”.
وفيما تؤكد لجنة القطاعات الإنتاجية أن المهمة الاستطلاعية تهدف إلى الوقوف على مدى تحقق أهداف برامج الدعم، وتقييم أثرها على السوق الوطني، ترى العدالة والتنمية أن مثل هذه المهمة لن تفي بالغرض الرقابي المطلوب، نظرًا لمحدودية صلاحياتها مقارنة بلجنة تقصي الحقائق، التي تعتبرها الآلية الوحيدة القادرة على كشف الحقائق كاملة، بما في ذلك مساءلة المتدخلين من القطاع الخاص والمستفيدين المباشرين من الدعم العمومي.
وشدد البلاغ على أن المجموعة بصدد إعداد تقرير خاص يوثق الإجراءات الحكومية في مجال دعم القطاع الفلاحي وتربية المواشي، وستعمل على تعميمه على الرأي العام لتقديم صورة أوضح حول خلفيات هذا الملف، ومستوى الانعكاس الحقيقي للدعم على القدرة الشرائية للمواطنين، في وقت يتحدث فيه وزراء داخل الحكومة ذاتها بلغة التناقض، قبل أن يتراجعوا تحت ضغط “إرادة التعتيم”، بحسب وصف البلاغ.
ويأتي هذا الجدل في سياق سياسي واقتصادي محتقن، تتصاعد فيه الانتقادات بشأن غلاء الأسعار وغياب أثر ملموس للتدخلات الحكومية، مقابل تزايد الحديث عن وجود شبكات نفوذ تستفيد من الدعم دون أن يصل مفعوله إلى المواطنين.
فهل ستباشر الأغلبية البرلمانية مسطرة تشكيل المهمة الاستطلاعية من دون مكونات المعارضة؟ أم سيُفتح الباب أمام لجنة تقصي الحقائق محدثين بذلك قطيعة مع منطق التبرير السياسي؟ وإن أرجحنا الاحتمال الأول، ألن يترك انسحاب المعارضة المجال امام فرق الاغلبية لاستخلاص تقرير على المقاس؟ يحمون به من يشتبه في تورطهم بخصوص قضية “الفراقشية”. عموما، هي كلها أسئلة تبقى معلّقة في انتظار ما ستكشف عنه الأيام القادمة من مواقف ومبادرات داخل المؤسسة التشريعية.





