بين المخاطر والفرص.. الذكاء الاصطناعي يكتب قواعد جديدة لسوق الشغل

حسين العياشي

تشير تقارير حديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي يشكل تحولاً جذرياً في سوق العمل، ما يثير تساؤلات حول تأثيره على الوظائف ومستقبل العمل البشري. فهل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً بسبب الاستغناء عن الوظائف، أم فرصة لخلق مهن جديدة وتحقيق تطورات إيجابية في بيئة العمل؟

وفقاً لتقرير بنك غولدمان ساكس، من المتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان نحو 300 مليون وظيفة حول العالم، نتيجة أتمتة المهام الروتينية والمتكررة في قطاعات مثل المحاسبة والخدمات اللوجستية والإنتاج الصناعي وخدمة العملاء. ومن جانبه، يبرز تقرير آخر أن الذكاء الاصطناعي قد يخلق نحو 97 مليون وظيفة جديدة، ليكون صافي التأثير إيجابياً بحوالي 12 مليون وظيفة، وهو ما يعكس التوازن بين المخاطر والفرص المرتبطة بهذا التحول التكنولوجي.

وتشير دراسة صادرة عن PwC، إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يرفع الإنتاجية بمعدل 1.5 نقطة مئوية سنوياً على مدى عشر سنوات، كما يُتوقع أن يساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 7%. هذه البيانات تؤكد أن الاعتماد على التكنولوجيا الذكية قد يكون محفزاً للتنمية الاقتصادية، شريطة التكيف مع التغيرات في سوق العمل.

إلا أن هذه التحولات لا تخلو من تحديات. فالتقارير تشير إلى أن العمال الأقل تأهيلاً، والنساء بشكل خاص، هم الأكثر عرضة لفقدان وظائفهم بسبب أتمتة المهام، حيث يُتوقع أن تكون 28% من وظائف النساء مهددة، مقارنة بـ21% من وظائف الرجال. كما يحذر الخبراء من الضغط المستمر على الموظفين للتعلم والتكيف مع أدوات عمل أكثر تعقيداً، فضلاً عن التوتر النفسي الناتج عن أنظمة تقييم الأداء الآلية.

في المقابل، تبرز التقارير فرصاً واعدة، إذ أن الذكاء الاصطناعي يفتح المجال لظهور مهن جديدة تشمل متخصصي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومحللي البيانات، ومطوري الخوارزميات، ومدربي الأنظمة الذكية. ويتيح أتمتة المهام الروتينية للموظفين التركيز على الأنشطة الإبداعية والاستراتيجية، ما يعزز القيمة المضافة للإنسان في بيئة العمل.

لذلك، تؤكد التقارير على أهمية الاستثمار في التعليم المستمر وإعادة التأهيل المهني، لضمان قدرة القوى العاملة على مواكبة التحولات التكنولوجية. وتوصي بدعم برامج تدريبية متخصصة، واستراتيجيات وطنية لتعزيز مهارات الموظفين، بما يحقق التوازن بين الابتكار وحماية استقرار سوق العمل.

في المحصلة، يبدو أن الذكاء الاصطناعي أداة ذات حدين. فبينما يحمل مخاطر حقيقية على بعض الوظائف، فإنه في الوقت ذاته يمثل مفتاحاً لفرص جديدة، بشرط إدارة الانتقال التكنولوجي بشكل مسؤول يضمن تكافؤ الفرص ويعزز جودة الحياة المهنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى