من “المسيرة الكحلة” إلى القرار 2797: شهادة تكشف صمود المغاربة

زوجال قاسم
في وقت يستعيد فيه المغرب زخمه الدبلوماسي والحقوقي على الساحة الدولية بعد اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 2797، الذي جدد دعم المجتمع الدولي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، تعود ملفات الذاكرة الوطنية لتذكير المغاربة بصمودهم في مواجهة التحديات التي تهدد سيادتهم ووحدة ترابهم.
ومن بين هذه الملفات، يبرز ملف طرد المغاربة من الجزائر سنة 1975، الذي يواصل الناشط المغربي جمال العثماني الدفاع عنه باعتباره قضية وطنية وإنسانية لا يسقطها الزمن، وضرورة توثيقها لحماية الذاكرة الجماعية من النسيان.
ذاكرة الجرح الوطني
يستحضر العثماني، بصوت يختزل ألم جيل كامل، ما يسميه “النكبة المغربية” التي وقعت في 08 دجنبر 1975، تزامنا مع عيد الأضحى المبارك، حين أقدمت السلطات الجزائرية، تحت قيادة هواري بومدين، على طرد حوالي 45 ألف عائلة مغربية، أي نحو 350 ألف شخص، كرد فعل على المسيرة الخضراء التي نظمها المغرب سلمياً لاسترجاع صحرائه الجنوبية.
ويقول العثماني: “الهجرة المغربية نحو الجزائر كانت قانونية وتاريخية، لذلك استطاعت السلطات التعرف على الأسر وطردها في أقل من شهر، حتى في يوم عيد الأضحى.”
ويصف تلك اللحظة بـ“الزلزال الإنساني”، الذي جرد العائلات من ممتلكاتها وألزمها باللجوء إلى الحدود بلا مأوى، مؤكدًا أن “الذاكرة الوطنية لا يمكن أن تنسى هذا الجرح مهما مر الزمن”.
من الألم إلى التوثيق الأكاديمي
حول العثماني معاناة الضحايا إلى التزام معرفي، شاهدا على أبحاث جامعية في جامعة محمد الأول، ومولاي إسماعيل بمكناس، تناولت ملف المطرودين من الجزائر من زوايا قانونية وإنسانية، مع توثيق المأساة عبر الصور والأرشيفات والشهادات.
ويقول في هذا السياق: “استطعنا أن نُدخل هذا الملف إلى الجامعة، ليُدرّس ويُناقش كجزء من ذاكرتنا الوطنية، وليس مجرد قصة منسية”، مضيفا، “من يملك ذاكرته يملك مستقبله، لأن الوعي بالتاريخ هو أساس الدفاع عن الوطن اليوم.”
نضال من أجل الاعتراف والإنصاف
يرى العثماني أن قضية المطرودين لا تقل أهمية عن أي ملف سيادي، لأنها تمس كرامة المواطنين المغاربة، مؤكدا أن “هذه ليست قضية فئة محددة، بل قضية وطنية تهمنا جميعاً، لأنها جريمة في حق المغرب والمغاربة. لذلك يجب خدمتها بالبحث الميداني والندوات والمعارض والبرامج التوعوية داخل الوطن.”
ودعا العثماني إلى تفعيل الشراكات بين الجمعيات المدنية والجامعات، وتأسيس مركز وطني لذاكرة المطرودين، ليكون مرجعًا تربويًا وتوثيقيًا يربط الأجيال الجديدة بذاكرة التضامن والمقاومة الوطنية.
الذاكرة في خدمة السيادة الوطنية
يؤكد العثماني أن استحضار مأساة 1975 اليوم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالموقف الدولي الراهن من قضية الصحراء المغربية.
ويقول: “القرار الأممي رقم 2797 أعاد الاعتبار لمفهوم العدالة التاريخية والسياسية، الذي ظل المغرب يدافع عنه في مواجهة كل محاولات طمس هويته أو تشويه تاريخه.”
ويضيف: “الربط بين الذاكرة الوطنية والمكتسبات الدبلوماسية ليس مجرد رمزية، بل ضرورة استراتيجية، لأن الذين حاولوا تمزيق العائلات المغربية سنة 1975 هم أنفسهم الذين يسعون اليوم لتقسيم وحدة التراب الوطني.”
من الذاكرة إلى المستقبل
يعتبر جمال العثماني أن الدفاع عن الذاكرة الوطنية لا يقتصر على استرجاع الماضي، بل يشكل جزءًا من معركة الوعي الوطني التي يخوضها المغرب على المستويات الحقوقية والسياسية والدبلوماسية.
وفي ضوء القرار الأممي الأخير، يكتسب ملف المطرودين بعدًا رمزيًا جديدًا، مؤكدًا أن إنصاف الضحايا وجبر الضرر يشكلان ترسيخًا للسيادة الوطنية، وأن الذاكرة المغربية، ستظل صامدة “ضد النسيان”، في خدمة وطن لا يساوم على كرامة أبنائه.





