
حسين العياشي
مع اقتراب المملكة من موعد انتخابي حاسم يتمثل في انتخاب أعضاء مجلس النواب، يتجدد النقاش العمومي حول الشروط الكفيلة بإنجاح هذا الاستحقاق، ليس فقط من زاوية النصوص القانونية المؤطرة له، بل أساسًا من زاوية المشاركة الفعلية للمواطنات والمواطنين في العملية الانتخابية، باعتبارها حجر الزاوية في بناء مؤسسات تمثيلية ذات مصداقية وقادرة على عكس الإرادة الشعبية.
في هذا السياق، بادر النائب البرلماني رشيد حموني إلى توجيه سؤال كتابي إلى وزير الداخلية، أثار من خلاله جملة من الإشكالات العملية المرتبطة بعملية التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة، مسلطًا الضوء على جوانب تقنية وتنظيمية وتواصلية يرى أنها قد تُفرغ الإصلاحات القانونية من مضمونها إذا لم يتم تداركها في الوقت المناسب.
واستحضر حموني، في معرض سؤاله، أن مراجعة القوانين الانتخابية جرت في إطار تشاوري مع الأحزاب السياسية، وأسفرت عن مقتضيات وُصفت بالإيجابية، خاصة في ما يتعلق بتشديد العقوبات على الجرائم الانتخابية وتوسيع حالات المنع من الترشح، بما يعزز النزاهة ويحد من الممارسات التي تشوه العملية الديمقراطية. غير أن النائب شدد في المقابل على أن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في تجويد النصوص، بل في رفع منسوب المشاركة الانتخابية، ولا سيما في صفوف الشباب، باعتبارهم الفئة الأكثر عزوفًا، والأكثر حاجة إلى استعادة الثقة في العمل السياسي والمؤسسات المنتخبة.
وفي هذا الإطار، سجّل حموني أن فتح باب التسجيل وتحيين المعطيات خلال شهر دجنبر 2025 لم يُواكب بالحجم المطلوب من الحملات التواصلية والتحسيسية، سواء عبر وسائل الإعلام العمومية أو الخاصة، وهو ما ينعكس سلبًا على مستوى الإقبال على التسجيل، ويطرح تساؤلات حول مدى جاهزية الإدارة لمواكبة هذا الاستحقاق بنفس الزخم الذي رافق تعديل القوانين المؤطرة له.
كما نقل النائب البرلماني ملاحظات عدد من المواطنين بشأن محدودية أو غياب مكاتب استقبال طلبات التسجيل في بعض المناطق، خاصة في الأحياء الهامشية أو القروية، الأمر الذي يحول دون تمكين فئات واسعة من ممارسة حقها في التسجيل بسهولة ويسر. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ أشار أيضًا إلى أعطاب تقنية تشوب الموقع الإلكتروني الرسمي المخصص للتسجيل، ما يشكل عائقًا إضافيًا أمام الراغبين في الانخراط في العملية الانتخابية عبر الوسائل الرقمية التي يُفترض أن تُيسر المشاركة لا أن تعقدها.
وأمام هذه المعطيات، تساءل رشيد حموني عن أسباب غياب تعبئة إعلامية رسمية واسعة للتحسيس بأهمية التسجيل في اللوائح الانتخابية، وعن التدابير العملية التي تعتزم وزارة الداخلية اتخاذها لتدارك هذه الاختلالات، سواء من خلال تعزيز الحضور الإداري بمختلف مناطق المملكة، أو عبر معالجة الأعطاب التقنية المرتبطة بالمنصة الإلكترونية، بما يضمن تكافؤ الفرص بين المواطنات والمواطنين في ممارسة حقهم الدستوري.
ويعيد هذا النقاش إلى الواجهة إشكالية مزمنة في المسار الانتخابي المغربي، مفادها أن إصلاح القوانين، على أهميته، يظل غير كافٍ ما لم يُواكب بسياسات تواصلية فعالة وإجراءات ميدانية ملموسة تجعل من المشاركة الانتخابية فعلًا يوميًا ممكنًا، لا مجرد حق نظري مؤجل، في انتظار استحقاق قد يُقاس نجاحه بمدى انخراط المواطنين فيه أكثر مما يُقاس بنصوصه القانونية.





