هكذا تسقط الأقنعة في صروف الدهر!!

بشرى عطوشي 

لا يسلم الإنسان من حلول قوارع الزمن ومن إصابة نوازله الشديدة وتكالب الخطوب التي قد تعوزه الحيلة، لهذا قد يغلبنا الإحساس بالانتكاس والإحباط في المواقف المنغصة والمفجعة، فتضعف إرادتنا التامة، ويذهب عنا الفرح والسرور.

ولولا صروف الدهر ما كنا لندرك أن الناس معادن، وكثير منهم  يصدأون بمجرد ظهور مصيبة من المصائب، وقليل هم من يحافظون على بريق معدنهم حينما تحل الكرب بنا وتنزل البلايا علينا، فتلقي الأحداث المأساوية بظلمتها على الأجواء التي تظهر الحقائق وتبين المواقف.

هكذا هو حال زلزال الحوز الذي ضرب عددا مهما من المناطق، والذي تسبب في خسائر بشرية ومادية مهمة، الذي أظهر بالفعل معدن حكومة أخنوش وبعض قطاعاتها، وبعيدا عن أي تنميق للكلام فإن حكومة أخنوش توارت عن الأنظار إثر وقوع الزلزال وبرز بالفعل عدم تقديرها لحجم الكارثة.

وكما تجري العادة، وكما حصل في أزمة كورونا، لولا إعطاء جلالة الملك محمد السادس لتعليماته السامية للمؤسسات، من أجل تسخير الوسائل البشرية واللوجيستية لمساعدة ودعم ضحايا الزلزال وفك العزلة عليهم في الدواوير المنكوبة، لظلت الحكومة في كرسي المتفرج .

فالكل كان ينتظر أن تضع كل المؤسسات بما فيها القطاعات الوزارية كل إمكانياتها رهن إشارة المواطنين عند حدوث الكارثة، وإبلاغ المواطنين باتخاذ الحيطة والحذر لتفادي وقوع مزيد من الضحايا، إلا أن الصمت وككل مرة عند حدوث أي أزمة ظل سيد الموقف.

بقي المواطن في عزلته يصارع لوحده وكأن تصويته في الانتخابات لإفراز منتخبين يقفون في مثل هذه الكوارث وقفة رجل واحد، كان فقط من أجل ما يسمونه اليوم “تعزيز الديمقراطية”، هذه الديمقراطية التي أعطت للنخب رؤساء جماعات، ونواب ومستشارين ووزراء، الحق في تمرير مقترحات ومشاريع القوانين لتقييد المواطن بمزيد من الأغلال، بدل الاشتغال على تسهيل عيشه بالمدينة أو القرية أو المداشر أو الجبال أو غيرها من الأماكن على أرض هذا الوطن العزيز.

بمجرد مشاهدة فيديوهات تكشف واقع مواطن يعيش في مناطق تغيب عنها كل إمكانيات العيش الكريم، تطرح المزيد من التساؤلات عن دور المجالس والجماعات في هذا الشأن.

إن الهشاشة التي تعرفها المناطق المتضررة من زلزال الحوز تسائل كل المؤسسات المشرفة على تدبير شأنها، كما لا يمكن التغافل عن غياب المنتخبين الذين ظلوا في حالة “ذهول” وهم يتلقون أخبار انهيار مباني وانقطاع أخبار عن دواوير، وانقطاع الطرق المؤدية لها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

زلزال الحوز كشف مزيدا من عيوب حكومة ظلت تتابع الحدث من أبراجها العاجية، ونخب انشغلت باجتماعات فارغة من مشاريع تنمية لمناطق منعزلة.

إن المؤسسات التي ظل دورها قائما، هي نفسها التي ظلت تقدم الدعم والتضامن في مواجهة الكوارث والأزمات التي تصيب المواطنين بكل المناطق.

فقد أعطى جلالة الملك القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تعليماته بشكل مستعجل، ليلة 9 شتنبر 2023، على إثر الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، بنشر وسائل بشرية ولوجيستية مهمة، جوية وبرية، إضافة إلى وحدات تدخل متخصصة مكونة من فرق البحث والانقاذ، ومستشفى طبي جراحي ميداني.

كما تم نشر وحدات للتدخل، وطائرات، ومروحيات، وطائرات بدون طيار، ووسائل هندسية، ومراكز لوجيستية بعين المكان بهدف تقديم الدعم الضروري لمختلف القطاعات المعنية والساكنة المتضررة.

وكعادتها سارعت عناصر الأمن إلى مراكز تحاقن الدم للتبرع بالدم لفائدة جرحى الزلزال، وكانت الوقاية المدنية والقوات المساعدة في قلب الحدث من أجل إنقاذ والبحث عن الضحايا تحت الأنقاض، وكان المواطن المغربي كعادته في الموعد لتقديم الدعم والمساعدات لإخوتهم ضحايا المناطق المنكوبة وارتفع أيضا عدد المتبرعين بالدم من المواطنين، وذيل المنتخبون لائحة المتضامنين، ببلاغاتهم التضامنية.

لقد أعطى جلالة الملك محمد السادس تعليماته السامية بالإعلان عن حداد وطﻧﻲ ﻟﻣدة ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم، ﻣﻊ ﺗﻧﻛﯾس اﻷﻋﻼم اﻟوطﻧﯾﺔ ﻓوق ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺑﺎﻧﻲ اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ.

وﺗرأس جلالته ﻣرﻓوﻗﺎ ﺑﺻﺎﺣب اﻟﺳﻣو اﻟﻣﻠﻛﻲ وﻟﻲ اﻟﻌﮭد اﻷﻣﯾر ﻣوﻻي اﻟﺣﺳن، ﺑﻌد زوال اﻟﺳﺑت 9 ﺷﺗﻧﺑر 2023 ﺑﺎﻟﻘﺻر اﻟﻣﻠﻛﻲ ﺑﺎﻟرﺑﺎط، ﺟﻠﺳﺔ ﻋﻣل ﺧﺻﺻت ﻟﺑﺣث اﻟوﺿﻊ ﻓﻲ أﻋﻘﺎب اﻟزﻟزال المؤلم، اﻟذي وﻗﻊ يوم اﻟﺟﻣﻌﺔ 8 شتنبر، واﻟذي ﺧﻠف ﺧﺳﺎﺋر ﺑﺷرﯾﺔ كبيرة وﻣﺎدﯾﺔ ﻓﻲ العديد ﻣن ﺟﮭﺎت اﻟﻣﻣﻠﻛﺔ”.

قبل ثلاث سنوات كشفت كورونا مستوى العجز الذي عرفته عدة قطاعات، إلا أنه لا يمكن أن ننسى كيف اتخذ جلالة الملك محمد السادس إجراءات لم تتخذها حتى “أكبر” الدول، إجراءات جعلت المغرب يتخطى الأزمة بنجاح، كان أولها إحداث فوري لصندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا، ثم تكليف الطب العسكري بشكل مشترك مع نظيره المدني بالمهمة الحساسة لمكافحة وباء كوفيد19، إعفاء مكتري المحلات الحبسية المخصصة للتجارة والحرف والمهن والخدمات، والسكنى ما عدا للموظفين، من أداء الواجبات الكرائية، وذلك طيلة مدة الحجر الصحي، والعديد من التعليمات السامية التي طانت بمتابة خارطة طريق نحو التغلب على الجائحة.

كانت هذا كله من أجل تذكير الحكومة كما الحكومات السابقة بعد دستور 2011، أن كل مخططات التنمية أساسها المؤسسة الملكية، وعلى الرغم من التوجيهات التي جاءت في خطب جلالة الملك، فقد ظل تدبير الشأن العام من قبل النخب قاصرا وبعيد عن تحقيق الأهداف المتوخاة.

إن كارثة الزلزال الذي ضرب الحوز ومناطق مختلفة من المغرب، تعري بالفعل السياسات المتبعة في تدبير شأن المدن والقرى من قبل النخب التي ينتخبها المواطن المغربي.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى